السبت , 10 يونيو 2023

تطبيق عملي: داعش من جديد

نوار ملحم

في الآونة الأخيرة ازدادت عمليات تنظيم داعش في كل من سورية والعراق بشكل ملفت للنظر، والغريب أنه رغم مرور حوالي سبع سنوات على إنشاء الولايات المتحدة ما بات يُعرَف “بالتحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش في العراق وسورية”، كان من الواضح أن النتائج في الواقع الميداني لم تحقق الهدف المطلوب في القضاء النهائي على التنظيم، أو هي بالفعل نجحت في شل قدرته على القيام بهجمات مؤثرة كالتي قام بها في الأيام الماضية.

في الواقع تبدو مثل تلك النتائج منطقية تماماً، في حال تم النظر إلى الأمور وفق بعض الاعتبارات:

  • الاعتبار الأول: يتمثل في حقيقة صرَّح بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشكل واضح تماماً وبدون أي لبث وفي أكثر من مناسبة، عندما أوضح أن الرئيس السابق باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون هما من أوجد ودعم داعش، وهذا الاعتبار دقيق إلى حدّ ما، على أساس أنَّ الأسباب غير المباشرة الحقيقية لظهور التنظيمات الإرهابية وتنامي أفكار التطرف حول العالم هي أسباب عميقة وأحد النتائج المهمة للقيادة العالمية للولايات المتحدة منذ انهيار نظام القطبين، ولا تمثل إدارة أوباما سوى حلقة من حلقاتها.
  • الاعتبار الثاني: هو توصيات مراكز الأبحاث والدراسات الغربية وخصوصاً الأميركية و”الإسرائيلية” المرتبطة بها، التي تركز على الماهية والكيفية التي يمكن من خلالها إضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد وبالتالي الدولة والشعب السوريين، وتمثل إعادة تفعيل داعش والسماح له بالقيام بالعمليات الأمنية تحت غطاء منظومات المراقبة والتشويش الأميركية، أحد الاستراتيجيات التكتيكية في مسار الاستراتيجية الرئيسي المتمثل في الإضعاف التدريجي لقدرات الشعب السوري، وهذا يمثل تطبيقاً عملياً ومباشراً لتوصيات مراكز الدراسات والأبحاث التي سبق الإشارة إليها .
  • الاعتبار الثالث : هو المتعلق بموضوع البيئات الحاضنة:

في ظل إشراف الإدارة التابعة لما يُسمَّى قوات سورية الديموقراطية على مساحات واسعة في مناطق شرق سورية، أي في المناطق التي ينشط فيها تنظيم داعش في الوقت الحالي، أصبح من الطبيعي الاستنتاج أنَّ تلك الإدارة قد فشلت في إدارة تلك المناطق خاصةً من الناحية الاجتماعية، إذ تشير التقارير والوقائع  إلى أن جزءاً مهماً من عودة تنامي مشاعر التطرف والكراهية سببه هو السياسات التمييزية التي تمارسها إدارة “قسد” ضد المكونات الشعبية المحلية في تلك المناطق، بالإضافة إلى تدخلها غير المسؤول في الشؤون الاجتماعية التقليدية الخاصة بالمجتمع من قبيل موضوع الزواج والإرث وغيرها من القضايا الأخرى ، وفرضها قسراً أيضاً لمناهج تعليمية وتربوية قد لا تتوافق مع رغبات السكان المحليين.

تلك الممارسات عموماً لا يمكن لها إلا أن تُقابَل بردود أفعال شعبية تشكل بيئةً خصبة لنشاط تنظيمات متطرفة كداعش، وعلى الأرجح أن تلك الممارسات لا يمكن أن تتم إلا بناءً لمشورة الخبراء الأميركيين في المجال الاجتماعي، وهنا يبرز التساؤل الهام أيضاً حول دور واشنطن الغير مباشر في إيجاد الوضع الملائم لتنمية ونشر مثل تلك الأفكار الإرهابية المتشددة.

في الختام، وبغض النظر عن الاعتبارات السابقة، تمثل إعادة تفعيل داعش أحد التحديات التي سيتعين على الحكومة السورية وحلفائها مواجهتها من جديد، عبر تفعيل و تطوير الآليات الاجتماعية والأمنية التي تعتمد على العمل بشكل مركَّز على البيئات التي يمكن أن تشكل حواضن أو منطلق عمل لمثل تلك التنظيمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عشرة + سبعة =