Be Afraid of the World, Be Very Afraid
الكاتب: ستيفن والت، مجلة فورين بوليسي.
تاريخ النشر: 20/5/2019.
خمس مشاكل في العالم تزداد سوءاً:
- الشيء السيئ الثالث: نهاية الاتحاد الأوروبي:
رغم أنني أحب الاتحاد الأوروبي لكنّي سأكون واقعياً، لقد كان المفهوم الأصيل للاتحاد الأوروبي جريئاً ومبدعاً فقد عزَّز الاتحاد الأوروبي وسلفه “الجماعة الأوروبية للفحم والصلب والجماعة الاقتصادية الأوروبية” النمو الاقتصادي في أوروبا لسنواتٍ عديدة، ومما لاشك فيه أن منظومة الاتحاد قد ساعدت على انتشار الديمقراطية والتّسامح في أوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة وقامت أيضاً بدورٍ هام في منع إعادة التَّأميم الشامل للسياسات الأوروبية.
لكن كما أشرت سابقاً، من الصَّعب أن نكون متفائلين بشأن الآفاق طويلة الأجل للاتحاد الأوروبي، بريطانيا ستغادر عاجلاً أم آجلاً والولايات المتحدة الأميركية تحت حكم إدارة ترامب معادية علناً للاتحاد الأوروبي.
أصبح الشعوبيون المناهضون للاتحاد الأوروبي أكثرَ شعبيةً في العديد من الدول الأوروبية بما في ذلك الأعضاء البارزون مثل إيطاليا وألمانيا….ولم تتمكَّن بروكسل من كبح جماح القوميين الليبراليين مثل فيكتور أوربان في هنغاريا أو حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا.
الجهود المتكررة لتأسيس صوت أوروبي حقيقي حول قضايا السياسة الخارجية أو بناء قوة دفاع أوروبية مشتركة، لم تذهب إلى أي مكان وبالتالي لم تحقق نتيجةً ملموسة (لقد كان رد الفعل الأوروبي في وجه الولايات المتحدة عندما فرضت عقوباتٍ ثانوية على التجارة مع إيران صاخباً، ولكنّه في نفس الوقت كان ضعيفاً من الناحية العملية…).
أضف إلى هذا الضَّغط المتزايد عبر الحدود المفتوحة والمتعلق باتفاقية الشّنغن، سيصبح من السّهل أن نتخيل تراجعاً تدريجياً وبعيداً عن هدف (اتحاد أعمق من أي وقتٍ مضى) والعودة إلى اتجاه أقرب ما يكون إلى السوق الأوروبية المشتركة القديمة.
حتى نكون واقعيين، لقد أثبت الاتحاد الأوروبي حتى الآن أنه يتمتع بمرونة أكثر مما يتوقع بعض المراقبين، ولكن ستكون تكاليف التَّخلي عن اليورو والعودة إلى ترتيبات أقل مركزيّة شديدة الوطأة على مستقبل الاتحاد.
لن أتفاجأ تماماً إذا تعثّر الاتحاد الأوروبي طوال عقود دون أن ينهار تماماً، ولكنّي بالتأكيد لا أتوقّع له أن يزدهر مرةً أخرى، ومع ذلك أتمنَّى أن أكون مخطئاً…
- الشيء السيئ الرابع: الأزمة النووية مع إيران:
كانت الغاية الأساسية من الصفقة النووية الإيرانية هي إبقاء طهران على مسافة كافية بعيداً عن امتلاك السلاح النووي الفعلي، وكسب الوقت لمعرفة ما إذا كان من الممكن تخفيف الخلافات الأخرى مع الولايات المتحدة.
لقد كان هذا النهج لعنة للصقور “الإسرائيليين” وجماعات الضغط المؤيدة “لإسرائيل”، مثل الاتحاد ضد إيران النووية ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمانحين الجمهوريين الأثرياء مثل شيلدون أدلسون، ودول مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لسوء الحظ تمكنت هذه المجموعات من إقناع الرئيس الأمريكي الساذج بأن الصفقة كانت “فظيعة” وأقنعته باستبدالها بسياسة ما يُسمَّى “بالضغط الأقصى” ، ليس من الواضح تماماً ما تأمل الإدارة في تحقيقه من هذا النهج أو كيف سيكون تحسيناً لما أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما، على الأقل يحاول ترامب ومستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو وضع إيران في صندوق العقوبات لإبقائها ضعيفة قدر الإمكان ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع الآخرين.
إليكم ما يقلقني: الضغط الأقصى لن يسقِط النظام أو يقوّي الأصوات المعتدلة في إيران، أو يحل أي من الاختلافات الأخرى بين واشنطن وطهران، بدلاً من ذلك على الأرجح أنه سيشجع إيران على استئناف التطوير النووي في نهاية المطاف، فكّر في الأمر: لقد قتل كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية أقاربه وخصومه و هو يدير دولة بوليسية وحشية، ويتعين عليه عقد لقاءات خاصة مع ترامب الذي يقول إن الاثنين “وقعا في حب” (مهما كان الجحيم الذي يعنيه ذلك) لماذا يُعامَل كيم بهذه الطريقة؟ …لأن كوريا الشمالية لديها ترسانة أسلحة نووية متنامية.
على النقيض من ذلك، إيران مجرد قوة نووية كامنة – يمكنها صنع قنبلة إذا أرادت ذلك ولكنها لم تفعل ذلك بعد، في الواقع لا تزال تمتثل امتثالاً تاماً للاتفاقية النووية وهي من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كيف ترد واشنطن على ضبط النفس الإيراني؟ هل يكون الرد بالعقوبات المتزايدة والهجمات الإلكترونية والتهديدات العسكرية والاقتراحات غير العقلانية من كبار المسؤولين التي توحي بأن هدف أمريكا الحقيقي هو تغيير النظام؟!
إذا قرَّرت إيران أن التعاون مع الولايات المتحدة (وغيرها) والتّخلي عن السلاح النووي لم يؤتِ ثماره، فسنعود إلى طريق الحرب، ولأن السياسيين والنّقاد الأمريكيين تحدّثوا عن الحرب الوقائية ضد إيران منذ عقود، فإن الفكرة كلها أصبحت تدريجياً طبيعية في الثقافة الأمريكية، في الأسبوع الماضي على سبيل المثال أشار عنوان في الواشنطن بوست إلى أن ترامب “لم يكن مقتنعاً بأن الوقت مناسب” للحرب مع إيران، كما لو كان التوقيت هو الشيء الوحيد المهم.
أنا لا أقول إنّ الحرب مع إيران أمرٌ لا مفرَّ منه، ولكن باستثناء إعادة التفكير بصورة أكثر جوهرية في نهج الولايات المتحدة برمَّته تجاه الشرق الأوسط فإن إمكانية اندلاع الحرب تظلُّ حيَّة، ولأن خوض الحروب غير الضرورية في الشرق الأوسط لم يكن جيداً بالنسبة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لذلك آمل أن أكون مخطئاً.
- الشيء السيئ الخامس: الانهيار التدريجي للتحالفات الأمريكية في آسيا:
لأسباب واقعية وجيدة وعصرية الطراز، تودُّ الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على وجود أمني مهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لماذا؟ لمنع الصين من أن تصبح قوة مهيمنة إقليمياً في آسيا، إذا كانت الصين ستؤسس موقعاً في آسيا أقرب إلى موقع الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي – بمعنى – لم يعد على الصين أن تقلق كثيراً بشأن المعارضة الإقليمية وبالتالي ستكون حرَّةً في إبراز قوّتها الصّاعدة في جميع أنحاء العالم وفعل الكثير كما تفعل الولايات المتحدة الآن، وقد تشمل تلك الجهود شراكات أمنية كبيرة في أمريكا اللاتينية، وبالتالي طمس مبدأ مونرو وإجبار الولايات المتحدة على تكريس المزيد من الاهتمام للمسائل القريبة من الوطن أي المتعلقة بالقارة الأميركية نفسها.
من الناحية النظرية، يجب أن يكون منع هذه النتيجة سهلاً إلى حدّ ما، كما تتنبأ نظرية ميزان القوى (أو بتعبير أدق نظرية توازن التهديد)، فإن الدول التي تتزايد قوتها وطموحاتها تميل إلى أن تبدو مهددة للآخرين، مما يدفع الأخيرة إلى توحيد جهودها لردع أو احتواء مبادرات القوة الناشئة، وليس من المستغرب أن يثير صعود الصين مخاوف عدد من الدول الآسيوية وجعل معظمها متحمساً لاستمرار العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.
لكن إدارة ائتلاف وازن في آسيا لن يكون سهلاً، وإدارة ترامب غير بارعة في هذه المهمة وسيكون التحالف المناهض للصين غير عملي وهش للأسباب التالية:
- المسافات الضخمة، التي تغري الدول الآسيوية المختلفة على تجاهل المشاكل في بعض الحالات.
- لا تريد هذه الدول تعريض علاقاتها الاقتصادية مع الصين للخطر.
- بعض تلك الدول لديها نزاعات كبيرة مع بعضها البعض.
كل تلك الأسباب تستدعي وجود قيادة تحالف آسيوي تتسم بالبراعة واليقظة، والتي يمكن أن توفّرها الولايات المتحدة إذا فهم قادتها مدى أهميتها.
“لسوء الحظ”، لقد فعل ترامب تقريباً كل شيء خاطئ، فقد غادر اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والتي من شأنها أن تعزز موقف أمريكا في آسيا، و عمل على إثارة قلق كوريا الجنوبية واليابان بشأن القضايا التجارية، في حين انخرط في مغازلة خاطئة وغير ناجحة وسوء تخطيط مع كوريا الشمالية، بدأ رئاسته بمكالمة هاتفية مثيرة للخلاف وغير ودية مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تيرنبول مما أدَّى إلى توتر العلاقات مع حليف قديم للولايات المتحدة.
لا أعتقد أن الصين مهتمة بالتوسع الإقليمي (باستثناء تلك الجزر الاصطناعية التي تبنيها في بحر الصين الجنوبي)، فهي تريد فقط إنشاء موقع مهيمن في جوارها، من يستطيع إلقاء اللوم عليها؟ من هي القوة العظمى العاقلة التي يمكن أن تقبل أن تكون محاطة بمجموعة من الدول المتحالفة رسمياً مع الولايات المتحدة، في ظل وجود ترتيبات تسمح لواشنطن بنشر وتشغيل قوات بحرية وجوية قوية بالقرب من الأراضي الصينية؟!
بالنسبة لبكين، فإن معالجة هذا الوضع يتطلب إخراج الولايات المتحدة من آسيا ليس عن طريق خوض الحرب ولكن عن طريق إقناع القوى الآسيوية الأخرى بأن الولايات المتحدة ضعيفة للغاية، مشتتة، متقلبة، غير موثوقة ولا يمكن الاعتماد عليها، وحتى الآن يبدو أن ترامب وبومبيو يساعدان الصين على إثبات صحة قضيتها ووجهة نظرها. باستثناء جهدٍ جاد وفعَّال لبناء محور حقيقي في آسيا يعتمد على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بقدر ما يعتمد على الوجود العسكري المعزّز سيكون من الصعوبة على الولايات المتحدة أن تحقق أهدافها في آسيا، ما لم يتحقق ذلك سأكون متشائماً بشأن المستقبل الطويل الأجل للموقف الاستراتيجي الأمريكي في آسيا، لكني آمل أيضاً أن أكون مخطئاً هذه المرّة.
لقد تركت بعض الاحتمالات المقلقة الأخرى:
- انتصار طالبان في أفغانستان.
- أزمة اللاجئين المتزايدة مدفوعةً بمزيج من الدمج الديمغرافي والتغير المناخي.
- تفاقم الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة الأميركية.
لمجرّد أن الأمور تبدو قاتمة لا يعني هذا أنها لن تتفاقم، رغم ذلك كن مطمئناً سأكون ممتناً بكل تواضع إذا لم تنجح أي من تلك النبوءات المظلمة.