رضا النحاس، أحمد عرنوس
“إن الوباء هو جائحة، لكن الحرب يجب أن تكون في الموعد المحدد”
ملك بروسيا فريدريك ويليام الأول”
في الحقيقة وكالعادة يعمل العلماء والمتخصصون في أوقات الأزمات والأوبئة بالتركيز على التأثيرات الاستراتيجية والتغييرات المحتملة والحلول الممكنة على مختلف الصعد المحلية والإقليمية والعالمية، وبالتالي ينشغل العالم بأكمله بالقضية المركزية العالمية ويعملون من أجل مواجهة تهديداتها المحتملة والتي غالباً ما تكون تحديات مشتركة تحتاج إلى تعاون الجميع للوصول إلى الغاية المطلوبة، ولكن ما تظهره السياسة الدولية هو عكس ذلك تماماً فقد يُنظر الآن إلى الوباء على أنه فرصة مميزة لتعزيز المكانة والهيبة الدولية، وتقول النظرية الواقعية في العلاقات الدولية بأن تحقيق التعاون الدولي الفعال في وقت الأزمات والكوارث والأوبئة يكون محدوداً جداً، والثابت بأن كل دولة تعمل بكافة قدراتها الخاصة لمواجهة الحدث وبدون أن تتشارك ذلك مع الدول الأخرى، وفي حال نجحت ستعمل على كسب ميزة عالمية لمواجهة هذه الأزمات، وهذا بسبب طبيعة النظام الدولي الفوضوية وغياب السلطة المركزية الواحدة لضبط النظام، وسيادة حالة من الشك والقلق بين الدول، وهنالك الكثير من الشواهد التي تبين مدى استغلال الدول للأحداث الكبرى لتحقيق أهداف استراتيجية معينة بعيدة تماماً عن القضية المركزية الشاغلة للعالم وهي وباء كورونا في وقتنا الراهن:
• “إسرائيل” والحصار و قضية الأسرى:
في ظل الإجراءات الكبيرة التي تُتخذ في كل دول العالم لمواجهة فيروس كورونا تعمد “إسرائيل” تحت ستار هذه الجائحة لتنفيذ سياسات لا إنسانية وغير أخلاقية بحق الأسرى الفلسطينين حيث سحبت مصلحة “السجون الإسرائيلية” أكثر من 140 صنفاً من الأغذية من بينها الدجاج واللحوم، ومشتقات الحليب، إضافة إلى أنواع من موادّ التنظيف بهدف محاولة التخلص منهم عبر نشر فيروس كورونا بين الأسرى حيث تشير المعلومات إلى وجود أكثر من خمسة آلاف أسير، بينهم أكثر من 700 أسير وأسيرة من كبار السن، أو ممن يعانون الأمراض المختلفة، ومنها المزمنة التي تُضعف أجهزة المناعة، جنباً إلى جنب مع استمرار حصار قطاع غزة الذي يعيق بشكل واضح جهود مكافحة كورونا هناك.
• تركيا والتصرفات المشبوهة :
عمل الاحتلال التركي لسوريا في الفترة السابقة على قطع المياه بشكل متكرر عن المناطق التي يقطنها حوالي المليون نسمة في مدينة الحسكة وبعض أريافها في خطوة بعيدة عن الإنسانية وتساهم بنشر الوباء، مع ملاحظة استمرارها في إرسال التعزيزات العسكرية إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب مستغلةً الوقت الضائع المتعلق بانحسار المعارك بسبب فيروس كورونا، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في شمال غرب سورية مع العلم أن تلك التعزيزات بالإضافة لدعم التنظيمات الإرهابية هناك يتناقض بشكل واضح مع تعهداتها في اتفاق موسكو الأخير مع روسيا.
• الإدارة الأميركية وسياسة العقوبات ونشر الوباء:
أيضاً تتابع الإدارة الأميركية وبنشاط فرض سياسات العقوبات ضد الدول المناوئة لها رغم أن هذا السلوك لاشك أنه يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى توسع انتشار فيروس كورونا لأن مثل تلك الإجراءات الأميركية ستؤثر على قدرة تلك الدول على مكافحة الفيروس وبالتالي سينتشر إلى غيرها من الدول وبكثافة أكبر فهذا الوباء لا يعترف بالحدود بين الدول ومن السذاجة توقع أن تلك العقوبات ستؤثر فقط على شعوب الدول المستهدفة، ومن ناحية أخرى يُلاحَظ استمرار النشاطات غير القانونية وبكثافة أكبر للقوات الأميركية في كل من سورية والعراق على سبيل المثال، وهنا ربما من الحكمة الانتباه إلى أن إدارة ترامب قد تلجأ إلى التصعيد في الخارج لصرف الأنظار عن مشكلتها المتفاقمة في الداخل الأميركي التي تكشف حتى الآن عن ضعف كبير في آليات مواجهة الفيروس، وأيضاً ربما من الضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن واشنطن قد فقدت في هذه الفترة على الأقل قدرة التأثير الناعم في مجال المظاهرات والثورات المخملية التي كانت قد نشطت في وقت سابق في كل من العراق ولبنان وهذا ربما يدفعها إلى التصعيد وبشكل مباشر في تلك البلاد أو غيرها، كما فعلت على سبيل المثال عندما أعادت انتشارها العسكري في العراق ونصبت صواريخ باتريوت حول مناطق انتشارها في قاعدة عين الأسد، أو كما صرَّحت هيئة التنسيق الروسية – السورية المشتركة في تقرير لها ” بأن الجانب الأميركي يسعى للاستفادة من حالة انتشار فيروس كورونا المستجد، ويحاول الضغط على الأمم المتحدة لتمرير شحنات ومعدات للمسلحين تحت ستار المساعدات الإنسانية لمخيم الركبان واللاجئين، وأيضاً يمكن اعتبار أن السلوك السعودي تجاه الشعب اليمني واستمراره في تلك الحرب العبثية والحصار الاقتصادي الذي سيعيق هو الآخر قدرة الحكومة في صنعاء على مواجهة الوباء في حال تفشيه كاستمرار أو مكمل للسياسات الأميركية الحالية عموماً، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط.
الخاتمة والاستنتاج:
لعل أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من “كورونا” هو الأهمية المطلقة للتعاون الدولي في مكافحة هذا الوباء الذي بات التهديد الأساسي للبشرية في الوقت الحالي، ولاشك أن هذا التعاون بين الدول لن يحدث إلا إذا تمَّت إعادة الاعتبار للقيم المعنوية والأخلاق باعتبارها الحامل الأساسي لهذا التعاون حتى يصبح بالإمكان إنقاذ الجميع من هذا الخطر الداهم، ولكن على ما يبدو أن هذه الرسالة لم تصل للعديد من دول وحكومات العالم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة كونها هي الدولة الأقوى في العالم والتي ينبغي لها أن تتصرف من منطلق الإنسانية والحرص على الجميع، فهذه الدولة التي يرأسها رئيس هو أشبه ما يكون بالبنك التجاري الناطق، سيكون من الصعوبة أن تصبح مؤتمنةً على حياة وأرواح الناس حتى بالنسبة لشعبها، ويمكن استنتاج هذا المعنى من رد حاكم ولاية نيويورك أندريوكومو على مواقف الرئيس الأميركي الداعية إلى استئناف العمل من أجل الاقتصاد عندما قال :”لا تجوز المفاضلة بين الاقتصاد والأرواح ….”.