فادي ميده
- من هم الحريديم:
ينقسم اليهود في “إسرائيل” إلى تيّارين رئيسيين:
- الأول هو “العلماني الليبرالي”: الذي يشكّل الأغلبية، ويرى في اليهودية “قومية” أكثر من كونها ديناً.
- القسم الآخر هو “الحَرِيدِي” أو التيّار اليهودي الأرثوذكسي المتديّن: الذي يتّصف اتباعه بالتطرُّف الدّيني، ويتوزّعون في مناطق وحارات خاصة بهم في الداخل أو في مستوطنات الضفة الغربية.
“اليهود الحريديم” هي التسمية التي تطلق على اليهود المتدينين الذين يحافظون على نمط حياة بعيد عن الحياة الحديثة، والمعنى الدقيق للحريديم هو “الخائفين من الله” ولكن عادة ما يطلق عليهم اسم “المتدينين المتشددين”، واشتقت كلمة “حريدي” من فعل “حرد” بمعنى اعتزل واعتكف وابتعد عن الآخرين، وهم يعيشون في وسط منغلق على نفسه في “إسرائيل”، كما أن هنالك مجموعات وتيارات حريدية داخلية كثيرة لكنهم يتميزون عادة بلباسهم الأبيض والأسود والذي يعكس أسلوب اللباس في العالم ما قبل الحضارة، ويعتبر اليهود الحريديم أنفسهم ونمط حياتهم استمراراً مباشراً لليهود من فترة ما قبل الحداثة، حيث يواصلون قدر الإمكان اتباع أسلوب حياة ثابت لا يتغير.
– بعض صفات الحريديم:
- إن الأسرة الحريدية معروفة بمعدل زيادتها عن أي أسرة يهودية أخرى، إذ يبلغ متوسط عدد الأطفال في كل أسرة بين سبعة وتسعة أطفال، نتيجة أن أكثر من 80% منهم يتزوجون في سن العشرين أو بعده بقليل، وهذا ما يفسر كثرة عدد الأطفال لديهم مقارنة مع غيرهم من السكان.
- شكّل “المجتمع الحريدي” ما نسبته 11% من مجموع السكان في “إسرائيل” حتى 2015، وارتفعت لتصل إلى 12% عام 2020 من إجمالي السكان هناك والبالغ تعدادهم 9.1 مليون نسمة، أي أن عددهم يزيد عن المليون، ومن المتوقع أن تصل في عام 2065 إلى 32% من السكان وفقاً لمعطيات الإحصاء “الإسرائيلية”.
- صَنفَ 35% من اليهود في القدس المحتلة أنفسهم كـ “حريديم” مقابل 21% يُصنفون كـ “علمانيين”، وهذا الأمر يثير قلق السياسيين في “إسرائيل”، خاصةً أن الحريديم يعارضون بشدة الحكم العلماني فيها.
- الحريديون يرفضون الانخراط بالجيش “الإسرائيلي”ويؤكدون أنهم يفضلون الموت على أن يكونوا جزءاً من المؤسسة، نتيجة معتقداتهم التي تطلب منهم الانسحاب من كل النشاطات والتفرغ للدراسات الروحية، وبالتالي فإن المشاركة فى الجيش والنشاطات الاقتصادية والرياضة والموسيقى والأفلام يُعد خطيئة.
– الحريديم ووباء كورونا:
يثير اليهود المتدينين “الحريديم” الجدل في “إسرائيل” ليس فقط لرفضهم التجنيد الإجباري إنما أيضاً لاعتقاداتهم الدينية التي تؤدي إلى إفشال مكافحة فيروس كورونا لرفضهم التعليمات الصحية، بسبب اعتقادهم بأن التوراة هو من يحميهم ويقيهم من شرور وأوبئة العالم، وهذا ما أدى إلى أن المدن التي يقطنونها تحولت إلى بؤر للوباء، وأجبرت الحكومة على اتخاذ إجراءات مشددة تجاه تلك المناطق، ورغم أن الكثير منهم اقتنعوا مؤخراً بالتهديد الذي يمثله الفيروس، فإن المدن المتطرفة التي يعيشون فيها تحولت إلى بؤر للوباء، وذلك للأسباب التالية:
- الاصرار على تعاليم دينية صارمة: ومنها الاستمرار في تأدية صلاة الجماعة بالرغم من خطورة انتشار الوباء، وفي ذلك المشهد ما يذكر برفض “جبهة النصرة” إلغاء صلاة الجمعة والدعوة إلى ضبط الأسواق وإلغاء “التبرج” قبل إغلاق المساجد.
- الاكتظاظ السكاني وصعوبة التباعد الاجتماعي: حيث أن عدد الأطفال في العائلة الصغيرة يتكون من 10 أشخاص كما تم ذكره فيما سبق، وهو أمر يضعف فعالية الحجر المنزلي ويزيد من إمكانية التعرض للإصابة، كما أن هذا الجمهور بطبيعته يرفض الإندماج في المجتمع “الإسرائيلي”، ويميل للعيش ضمن مجتمعات منغلقة، في أحياء بالقدس المحتلة ومدينة بني براك وبعض المستوطنات الأخرى، وهؤلاء يقيمون طقوسهم الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق تفاصيل الشريعة اليهودية، ويرفضون أي تغيير فيها.
- الفقر: فوفقاً للإحصاءات “الإسرائيلية” يعيش أكثر من نصف جماعات «الحريديم» تحت خط الفقر، كون منظومة التعليم الحريدية تتبنى تعاليم دينية صارمة لا توجه أفرادها للانفتاح على المهن التي يتطلبها سوق العمل، كما أن كبر العائلة الحريدية مقارنة بالعائلة اليهودية العادية يصعّب مهمة المعيل الوحيد الذي غالباً ما يكون المرأة، لأن الرجال يذهبون للمدارس الدينية.
- كشفت وثيقة لوزارة الصحة نشرتها قناة “كان” الرسمية، أن المدن التي تشهد أكبر تجمعات للمتدينين اليهود هي أكثر البؤر تفشياً للوباء في “إسرائيل”، ويمكن هنا ذكر أن وزير الصحة حاخام حريدي أصيب وزوجته بالفيروس بعد مخالفته تعليمات الطوارئ الاحترازية، والتي كانت وزارته مسؤولة عنها.
نتيجةً لما سبق، ليس من المستغرب أن تكون “إسرائيل” قد سجلت أعلى معدل إصابة بفيروس كورونا في العالم بالنسبة لعدد السكان، حيث بلغ معدل الإصابات في اليوم لكل مليون مقيم فيها 199.3 شخص كما بلغ عدد الإصابات فيها 141 ألف حالة، ويعود ذلك في جزء كبير منه للجماعات الراديكالية والأفكار المتطرفة التي تحملها.