العقوبات الاقتصادية الصعبة والمواجهات هي أهم بديل لسياسة الولايات المتحدة العسكرية بعد الحرب الباردة.
في مناقشة سياسات الردع والاحتواء في الوثيقة الجديدة للأمن القومي الأمريكي يتم التركيز بشكل خاص على العقوبات الاقتصادية حتى لا يخرج “أعداء” الولايات المتحدة عن السيطرة.
يعكس الإصدار السنوي لوثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية النهج الديناميكي والمرن للحكومات الأمريكية في تحديد استراتيجيات لعب الأدوار على الساحة الدولية، كما تحدد الوثيقة أهم التهديدات والأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة وتحدد طرق معالجتها، في حين تمثل هذه الوثيقة التي تصدر عن حكومة الولايات المتحدة مزيجاً من المكونات الثابتة لنظام الأمن القومي الأمريكي وبرامج وأولويات الرئيس والحكومة، ففي كانون الأول/ديسمبر 2017 أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وثيقة استراتيجية الأمن القومي لحكومته، وتتمحور الفكرة الرئيسة وراء الوثيقة بأكملها حول فكرة قائمة على الاقتصاد (تصورت الولايات المتحدة في هذه الوثيقة استخدام ثلاثة أنواع من القوة الصلبة وشبه الصلبة واللينة، من أجل تحقيق أهدافها).
على الرغم من أنها (أي الوثيقة) مليئة بالخطاب العسكري، إلا أنها تظهر أن الخيارات العسكرية والإنتاج الحربي في ظل الظروف الحالية ليست على جدول أعمال هياكل صنع القرار في الولايات المتحدة.
كما أن “الواقعية، القدرة التنافسية، التحالف لرؤية العالم والتأكيد على الأمن الاقتصادي” هو بقدر أهمية الأمن العسكري، وتلك المواضيع هي سمات بارزة في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
في هذه الوثيقة نظرت الولايات المتحدة إلى العالم من منظور واقعي وليس من منظور أيديولوجي، إن السعي وراء المصالح الأمريكية بكل طريقة ممكنة هو أحد نتائج وآثار تلك الوثيقة.
الاهتمام الجاد بعنصر الاقتصاد والعقوبات للنهوض بأهداف المنافسين ويحتوي على:
استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب هي أمر أساسي لزيادة نفوذ الولايات المتحدة في العالم، بما في ذلك “موقع التأثير” و”أداة التأثير“، لقد تم تصميم الوثيقة للاستفادة من أدوات الحكومة الأمريكية والشركات الخاصة والمنظمات الدولية لزيادة النفوذ الأمريكي كما أنه في هذه الوثيقة وبشكل صريح تتم مناقشة “التأثير الاقتصادي والسياسي” في مختلف الدول من خلال صناديق التنمية، هذه هي الطريقة التي تخطط لها الولايات المتحدة لزيادة الاعتماد السياسي والاقتصادي للدول عليها.
تماشياً مع سياسة زيادة النفوذ الأمريكي، فمن المتوقع أنه بدلاً من منح تنازلات للحكومات سيتم تقديم المزيد من المساعدات لها من خلال الشركات والقطاع الخاص، والهدف من خلال القيام بذلك هو سعي الولايات المتحدة إلى فرض نوع أكثر تعقيداً من الاعتماد على الدول الأخرى وجعلها أكثر طاعةً لسياساتها وتوجهاتها، ويساعد هذا النهج أيضاً في توفير عائد أكبر على الاستثمار في الولايات المتحدة ويمنح الشركات الخاصة الأمريكية حافزاً أكبر للشراكة مع حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
في الواقع ينبغي القول إن الولايات المتحدة تريد إنشاء نظام اقتصادي معتمد على حلفائها وشركائها لتعزيز مواءمتها مع سياساتها وبرامجها، وتحدد الوثيقة أيضاً التزام أميركا بدعم “الإصلاحيين” في مختلف الدول من أجل فرضها للشروط التي تريدها الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، في مناقشتها لسياسات الردع والاحتواء هناك تركيز قوي على “العقوبات الاقتصادية” بحيث لا يخرج أعداء أمريكا من دائرة النفوذ والسيطرة الخاصة بها، وبعبارة أخرى، فإن الخيارات الاقتصادية متعددة الجوانب هي في طليعة سلوك الاحتواء الأمريكي للقوى المتنافسة وبلدان عدم الانحياز.
هذا يعني أنه كما حدث في السنوات القليلة الماضية، يستخدم ترامب بشكل متزايد سياسات العقوبات ضد إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية ويتم اتباع هذه السياسات تحت ذرائع مختلفة.
يمكن تعريف العقوبات الأمريكية في سياق إطار عمل استراتيجي طويل الأجل يتم من خلاله فرض تغيير السلوك للبلد المستهدف، لإجباره على “الاستسلام”.بحيث إما أن يتغير سلوك البلد المعارض أو أنه يقوم بالمقاومة، وبالتالي يحدث دورة جديدة مستمرة بين الطرفين حتى يقرر أحدهم إنهاء اللعبة، إما أن تقوم الدولة المقاطعة بالإستمرار بفرض العقوبات أو تتوقف، وكذلك بالنسبة للدولة المستهدفة فهي إما أن تستمر في المقاومة أو تستسلم.
يعتمد مبدأ استخدام العقوبات الاقتصادية على افتراض أن قوة “سلوك النظام” تعتمد إلى حد ما على الأسس الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك، هناك علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين النشاط الاقتصادي والنشاط أو السلوك السياسي على الرغم من أن العقوبات الاقتصادية يمكن اعتبارها بديلاً عن القوة، إلا أنها تهدف إلى أن تكون قسرية ويُنظر إليها على أنها شكل من أشكال السياسة التي تتجاوز الإقناع.
في الواقع ، يمكن اعتبار العقوبات شكلاً من أشكال الإكراه التي لها تأثير كبير على الحياة العامة ، حيث يكون الضغط على المجتمع المستهدف مرتفع لدرجة أن البلد المستهدف يقترب من السياسة الخارجية للبلد المستهدِف دون وعي.