أحمد عرنوس
تاريخياً تعود فكرة اختراع الأسلحة النووية إلى الفيزيائي ألبرت آينشتاين ونظريته النسبية الخاصة والتي طورها عام 1906، والتي تنص على إمكانية تحويل الكتلة (المادة) إلى مقدار هائل من الطاقة، وذلك بعد ضربها في مربع سرعة الضوء، وبالتالي إن الطاقة الذرية هي مصدر الطاقة لكل من المفاعلات النووية والأسلحة النووية، وهذه الطاقة تنشأ عن انقسام الذرات (الانشطار الذري)، أو اتحادها (الاندماج النووي)[1]، وإن أولى بدايات الاهتمام لاختراع أول الأسلحة النووية وهي القنبلة النووية، تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية 1939، حيث كتب آينشتاين إلى الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت رسالة مفادها بأنه “من المرجح أن يكون من الممكن إنشاء تفاعل نووي متسلسل في كتلة كبيرة من اليورانيوم، وبواسطة هذا التفاعل من الممكن توليد مقادير هائلة من الطاقة، وسيؤدي ذلك إلى بناء نوع جديد من القنابل ذات انفجار غير مسبوق في التاريخ”، وبالفعل كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أول الدول التي حصلت على السلاح النووي، وذلك عبر مشروع سري للغاية سمي “مشروع مانهاتن” خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وكانت أول الدول إلى الآن التي استخدمت هذا السلاح ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، حيث تم إلقاء قنبلة نووية على هيروشيما في 6 آب/أغسطس، وناغازاكي في 9 آب/أغسطس من عام 1945[2].
على الرغم من أن استخدام السلاح النووي قد تم لمرة واحدة من قبل واشنطن، إلا أنه خلال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، قد جرت عدة أحداث كادت بأن تشعل حرب نووية بين الطرفين، وإن أبرز هذه الأحداث كانت ما يلي[3]:
- في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1962 خلال ما أصبح يُعرف بأزمة الصواريخ الكوبية، رصدت فرقة بحرية أمريكية غواصة سوفيتية قبالة شواطئ كوبا، وألقت السفن الأمريكية عبوات ناسفة عميقة لإجبار الغواصة على الصعود إلى السطح، وحاولت الغواصة السوفيتية التهرب من الأسطول الأمريكي من خلال الغوص، لكنها فقدت الاتصال بموسكو، واعتقد قائد الغواصة أن الحرب على وشك أن تندلع مع الولايات المتحدة وأراد إطلاق طوربيد نووي لتدمير السفن الأمريكية، لكنه لم يستطع فعل ذلك دون موافقة إجماع الضباط الثلاثة الموجودين على متنها، وعارض أحدهم الإطلاق وتمكن من إقناع القائد بالظهور وانتظار أوامر موسكو، وبذلك تجنب هذا الضابط حرباً نووية محتملة كان من الممكن أن تندلع لو تم إطلاق الطوربيد النووي السوفيتي.
- في 26 أيلول/سبتمبر 1983 ذكرت قيادة الإنذار النووي السوفيتي أن الولايات المتحدة أطلقت صاروخاً باليستياً، تلتها خمسة صواريخ أخرى، ولكن ستانيسلاف بيتروف الضابط المسؤول عن نظام الإنذار النووي، اعتقد أنه إنذار كاذب، حيث كان الإنذار نتيجة خلل في نظام الأقمار الصناعية.
- بعد انتهاء الحرب الباردة في 25 حزيران/يونيو 1995 رادار روسي في مورمانسك شمال روسيا، صاروخاً قبالة الساحل النرويجي، لقد كان صاروخاً بحثياً أطلقه العلماء لدراسة الشفق القطبي، ولكن تم تحديده عن طريق الخطأ من قبل الروس على أنه صاروخ نووي Trident أطلقته غواصة أمريكية، ووفقاً لنظام الإنذار كان الصاروخ سيضرب موسكو في غضون 15 دقيقة، مما دفع مستشاري الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين إلى استنتاج أننا “نتعرض للهجوم”، وقبل دقيقتين من اضطرار يلتسين إلى اتخاذ قرار نهائي بشأن ما إذا كان سيطلق ضربة انتقامية ضد الولايات المتحدة أم لا، أبلغه الضابط الكبير في مركز التأهب أن مسار الصاروخ يشير إلى أنه ليس تهديداً نووياً.
خلال العقود الثلاثة الماضية من القرن الحالي وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تتوقف حدة المنافسات الجيوسياسية بين مختلف القوى الدولية في النظام الدولي، وبالتالي لم تختفي إمكانية حدوث تصعيد غير مقصود ويؤدي إلى حدوث حرب نووية بين القوى الكبرى، والدليل على ذلك هو مؤشرات عودة سباق تسلح نووي، ومنها ما يلي:
- في عام 2018 أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية تقرير بعنوان “مراجعة الوضع النووي”، حيث يؤكد التقرير على ضرورة إعادة دراسة تمويل مجمع الأسلحة النووية الأمريكية، وزيادة الاستثمارات على مدى العقد المقبل لضمان قدرة الإدارة الوطنية للأمن النووي على تسليم الأسلحة النووية “بالمعدل المطلوب” لدعم الردع النووي في عام 2030 وما بعده، وذلك لأن الحفاظ على رادع نووي فعال أقل تكلفة بكثير من خوض حرب لا يمكن ردعها[4]، وكما يوصي التقرير بضرورة توفير القدرة الدائمة على إنتاج حفر البلوتونيوم بمعدل لا يقل عن 80 حفرة في السنة مع حلول عام 2030، وإن أي تأخير زمني في هذا البرنامج سيؤدي إلى إنتاج تلك الحفر بتكلفة أعلى وبمعدل أعلى من السابق[5].
- في عام 2019 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من اتفاقية الأسلحة النووية المتوسطة المدى INF))، والموقعة عام 1987 مع الاتحاد السوفييتي آنذاك، وكانت تنص على حظر الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كم، وفي عام 2020 أيضاً أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من اتفاقية الأجواء المفتوحة الموقعة مع روسيا و 32 دولة أغلبها منضوية في حلف الأطلسي، وهذه الاتفاقية موقعة في عام 1992 ودخلت حيز التنفيذ عام 2002، وكان هدف الاتفاقية هو السماح للطيران بمسح الأراضي وجمع المعلومات والصور عن المنشآت العسكرية، وتكمن الفكرة في أنه كلما عرف الجيشان المتنافسان معلومات أكثر عن بعضهما البعض قل احتمال الصراع بينهما[6]، ومن جانب آخر لابد من التذكير قيام الولايات المتحدة في عام 2018 بالانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي مع إيران والقوى الكبرى (5+1)، وفي الوقت الراهن يشير تقرير صادر عن منتدى نادي فالدالي إلى احتمال قيام الولايات المتحدة _سواء في ظل إدارة ترامب أو بايدن_ إلى الانسحاب من آخر اتفاقية للحد من التسلح النووي مع روسيا، وهي اتفاقية نيوستارت الموقعة في 2010، والتي تنص على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية النووية للبلدين بنسبة 30%، والحدود القصوى لآليات الإطلاق النووية بنسبة 50%، وإن هذه الاتفاقية ستنتنهي في شباط/فبراير من العام القادم 2021، ويؤكد التقرير بأنه إذا انتهت هذه المعاهدة دون استبدال أو تمديد لمدة خمس سنوات، فلن يكون لموسكو وواشنطن لأول مرة منذ نصف قرن، معاهدة ثنائية صالحة للتحكم في الأسلحة النووية الاستراتيجية[7].
- في 2 حزيران/يونيو 2020 أصدرت روسيا وثيقة متعلقة بسياستها النووية بعنوان: “المبادئ الأساسية لسياسة الدولة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي”، وتمثل المرة الأولى التي تعزز فيها روسيا من سياستها النووية الخاصة بها، وتعرض الوثيقة أربعة سيناريوهات قد تبرر الاستخدام النووي، اثنان منها لم يظهرا في نسخ أعوام 2014 و2010 و2000 من العقيدة العسكرية الروسية، ويتضمن السيناريوهان الإضافيان الواردان في وثيقة 2020 حول شروط استخدام السلاح النووي، فالأول “وصول بيانات موثوقة بشأن إطلاق صواريخ باليستية مهاجمةً أراضي الاتحاد الروسي أو حلفائه”، والثاني “هجوم من قبل خصم ضد حكومة أو المواقع العسكرية التابعة للاتحاد الروسي، والتي من شأن تعطيلها تقويض إجراءات رد القوات النووية”، كما تتضمن قيام موسكو بـــ”رداً على استخدام الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو حلفائها، وكذلك في حالة الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة نفسه في خطر”، وبذلك إشارة إلى إمكانية قيام روسيا باستخدام السلاح النووي في حال تم تهديد وجود الدولة الروسية من خلال أسلحة تقليدية، وبعد نشر الوثيقة الموقعة قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين إن “روسيا لا يمكنها ولن تشرع أبداً في استخدام الأسلحة النووية”، ولكن رد مارشال بيلينجسلي المبعوث الأمريكي الخاص للحد من التسلح، على بيسكوف في 11 حزيران/يونيو 2020 وغرد على تويتر: “أين ينعكس هذا في العقيدة الجديدة؟”[8].
- في أوائل أيلول/سبتمبر من عام 2020 أشار تقرير صادر عن البنتاغون حول التطور العسكري للصين، وأكد بأن الصين تخطط لمضاعفة عدد رؤوسها النووية _المقدر بـــ200 _ خلال العقد المقبل، وتحديث قوات “الثالوث النووي” الصينية وهي القوات الجوية والبرية والبحرية النووية، وإن هذا الأمر مرتبط بتصاعد حدة التوترات السياسية والتجارية بين بكين وواشنطن، وحول مختلف قضايا دولية وإقليمية (وباء كورونا، شبكات الجيل الخامس، هونغ كونغ، تايوان، بحر الصين الجنوبي)، وقد يؤثر هذا التوتر على عقيدة الصين في المجال النووي، وتشير تقارير المناقشات الداخلية حول السياسة النووية الصينية إلى أن هناك حالياً شخصيات بارزة قريبة من الرئيس شي جين بينغ تدعم تغيير سياسة الصين طويلة الأمد، ومن الممكن أن يتوج ذلك في المستقبل المنظور بقرار لتوسيع الترسانة النووية الصينية[9].
- يشير الكتاب السنوي 2020 لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، اللتان تستحوذان على 90% من الرؤوس النووية حول العالم، انتهجتا برامج لتحديث وإحلال الرؤوس النووية وحاملاتها وأنظمة توصيل الصواريخ ومرافق إنتاجها، كما أولت الدولتان أهمية جديدة لدور الأسلحة النووية في خططهما العسكرية، بينما تواصل كوريا الشمالية إعطاء الأولوية لترساناتها النووية كعنصر مركزي في استراتيجيتها للأمن القومي، وفي الوقت ذاته تعمل كل من الهند وباكستان على زيادة من حجم وتنوع قوتهما النووية ولكن بوتيرة أبطاً، وحسب التقرير تمتلك روسيا 6375 رؤوس نووية، بينما تملك الولايات المتحدة 5800، تتبعهما كل من الصين (320)، وفرنسا (290)، وبريطانيا (215) وباكستان (160)، والهند (150)، و”إسرائيل” (90)، وكوريا الشمالية (مابين 30 و40)[10].
- هناك العديد من القوى الإقليمية والمتوسطة تسعى إلى تطوير برامج نووية خاصة بها ومنها (تركيا، مصر، السعودية، الإمارات)، وبالتالي إن هذه المشاريع من المحتمل أن تزيد من حدة التوتر في المنطقة، وتزيد من احتمالية عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية.
خاتمة:
بناءً على ما سبق من مؤشرات عديدة، وفي ظل ازدياد حدة التوترات الجيوسياسية في العلاقات الدولية، يتبين بأن مخاطر انتشار الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية وإمكانية استخدامها في المستقبل المنظور تبدو محتملة، وخاصةً بعد قيام الإدارة الأمريكية الحالية باتخاذ قرارات أحادية الجانب للانسحاب من اتفاقيات دولية متعلقة بالحد من التسلح النووي وغير النووي، وكما أنه ليس هناك ما يمنع الدول من الحد من الانتشار النووي لتأمين البقاء في ظل عالم تسود فيه المعضلات الأمنية*[11] ومسألة البقاء والوجود.
المراجع:
[1] جوزيف إم سيراكوسا، ترجمة: محمد فتحي خضر، “الأسلحة النووية”، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة-مصر، الطبعة الأولى، 2015، ص14.
[2] جوزيف إم سيراكوسا، المرجع السابق، ص22-23.
[3] Raphael Ofek, The Inherent Threat of the Nuclear Launch Button, On the site of BESA, of the link retrieved in a date 4/10/2020:
https://besacenter.org/perspectives-papers/nuclear-launch-button/
[4] Report: Nuclear Posture Review, Office of The Secretary of Defense, February 2018, P II-III.
[5] Report: Nuclear Posture Review, Pr, P XV
[6] من موقع وكالة فرانس 24 باللغة العربية، استرد في 4/10/2020، عبر الرابط المختصر:
[7] Richard Weitz, Tamara Kolesnikova, From the Cold War Era to a New Nuclear Weapons Limitation Mechanism, On the site of Valdai club, of the link retrieved in a date 4/10/2020:
[8] Shannon Bugos, Russia Releases Nuclear Deterrence Policy, On the site of Arms Control Association, of the link retrieved in a date 4/10/2020:
https://www.armscontrol.org/act/2020-07/news/russia-releases-nuclear-deterrence-policy
[9] Eyal Propper, Possible Changes in China’s Nuclear Policy and the Significance for Arms Control, On the site of INSS, of the link retrieved in a date 4/10/2020:
https://www.inss.org.il/publication/china-nuclear-strategy/
[10] New SIPRI Yearbook out now, On the site of SIPRI, of the link retrieved in a date 4/10/2020: https://www.sipri.org/media/press-release/2020/nuclear-weapon-modernization-continues-outlook-arms-control-bleak-new-sipri-yearbook-out-now
[11] المعضلة الأمنية*: مصطلح يستخدم في العلاقات الدولية ويعبر عن مواقف تعمها الفوضى السياسية، إذ تتخذ فيها دولة ما إجراءات معينة لزيادة الأمن، مثل زيادة القوة العسكرية أو التمسك باستخدام الأسلحة وإقامة التحالفات والانسحاب من اتفاقيات الحد من (التسلح النووي وغير النووي)، فيمكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى أن تتخذ دولة أخرى نفس الإجراءات رداً على الدولة الأولى، وهو ما يؤدي إلى زيادة التوتر والذي يخلق الصراع، حتى لو لم يكن أي طرف يرغب في ذلك حقاً.