كاتب المقال: راينر ريكاردو.
المصدر: E-International Relations
تاريخ النشر: 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
الرعاية هي سمة منتشرة في السياسة الدولية، وفي الواقع كانت القوى العظمى تنتهج تاريخياً سياسة خارجية قائمة على “الاستحواذ على الدول الحليفة”، خلال الحرب الباردة انخرطت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في هذا النوع من السياسة الخارجية في مناطق متعددة من العالم، وفي الوقت الحاضر الهيمنة الأمريكية “الخارجية” في شرق آسيا هي في الغالب نظام مكون من دول حليفة، واجتذبت الصين أيضاً الدول الحليفة إلى “مجال نفوذها” مثل كمبوديا، وهي تعمل على توسيع مجساتها لتشمل النقاط العمياء للهيمنة الأمريكية، ومعظمها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبالتالي يبدو أن الرعاية هي قوة مؤثرة تشكل سلوك الدول وكذلك السياسة الدولية ككل، ومع ذلك يمكن اعتبار دراسة الرعاية بين الدول “منطقة خلفية في نظرية العلاقات الدولية”.
تتناول هذه المقالة موضوعين: أولاً يقدم مراجعة تركيبية لكيفية تحدث علماء العلاقات الدولية عن الرعاية، في الغالب منذ طرح المفهوم لأول مرة في الثمانينيات من القرن الماضي، عبر الحقل الفرعي لتحليل السياسة الخارجيةFPA ، ثانياً سيُظهر أن البحث القائم على الرعاية سيستفيد بشكل كبير من الحوار مع اتجاهين نظريين تم تقديمهما في نظرية IR (العلاقات الدولية) خلال العقود الماضية: نظرية الدور ونظرية العواطف، فمن خلال ربط هذه الأنطولوجيات*[1]، أدعو علماء العلاقات الدولية لاستكشاف المزيد حول كيفية عمل “سياسة الامتنان” على مستوى السياسة الدولية.
الرعاية ونظرية العلاقات الدولية :IR
لم يُطور علماء العلاقات الدولية بعد برنامجاً بحثياً ضمن تخصص العلاقات الدولية للتعامل مع ظاهرة الرعاية بين الدول، وهناك بعض الأسباب لذلك، أولاً اعتمدت الدراسات القائمة على الرعاية بين الدول منظوراً ضيقاً، ونظراً لأنهم سعوا فقط إلى تطوير “إطار عمل مفاهيمي” لم يكن هناك أي طموح لبناء النظرية، وثانياً تعتبر الرعاية أساساً “استراتيجية مفيدة”، يتبعها الفاعلون العقلانيون – الدول الوحدوية والعقلانية – من أجل الحصول على “فوائد” من العلاقة، وبالتالي فإن العلاقات بين الحليف والمستفيد هي تحالفات سريعة الزوال في مشهد العلاقات بين الدول لأنها موجودة طالما يتم الحصول على الفوائد، وأخيراً تركز البحث على “الثنائيات” باعتبارها العنصر الهيكلي الرئيسي لهذا التسلسل الهرمي الدولي، ومع ذلك فقد انخرط العلماء أيضاً مع “الشبكات الزبائنية”، وكذلك الأنظمة الدولية التي شكلتها “الدول الحليفة”.
تم تقديمه لأول مرة ضمن الحقل الفرعي لتحليل السياسة الخارجية FPA ، ويُعرف نموذج الحليف – المستفيد العلاقة بين الحليف والراعي كحل تفاوضي لمشكلة انعدام الأمن بين الدول غير المتكافئة، ولماذا تدخل الدول ذات السيادة طواعية في هذه العلاقة الخاصة؟، يجيب نموذج الحليف على هذا السؤال من خلال تحديد الأساس المنطقي وراء العلاقات بين الحليف والمستفيد على “الفوائد” المستخرجة من العلاقة.
تتوقع القوى العظمى أن تستفيد في الغالب من “السلع غير الملموسة”، مثل “التقارب الأيديولوجي” و”التضامن الدولي”، وكما يتوقعون الحصول على بعض “الميزة الاستراتيجية” على المنافسين، فمن خلال جذب الحلفاء إلى مجال نفوذهم، فإن القوى العظمى “تريد الترويج لأيديولوجيتها الخاصة باعتبارها متفوقة”، وبالتالي فإن الدول الحليفة ملزمة بتبادل كرم الأبناء من خلال أداء “إشارات” التضامن وكذلك الولاء، وتستفيد القوى العظمى أيضاً من الأراضي السيادية للدول الحليفة كحصن جيوستراتيجي لردع الخصوم، ومن الناحية الجيوستراتيجية يمكن اعتبار العلاقات بين الحليف والمستفيد بمثابة تحالفات رادعة بين الدول، وتستفيد الدول الحليفة أيضاً بشكلٍ كبير من هذه العلاقة الخاصة مع القوى العظمى، ومن الناحية المنطقية فإن تكلفة فقدان بعض الاستقلال أو السيادة، من وجهة نظر الدول ذات القدرات الصغيرة، أقل من الفوائد التي يتم الحصول عليها من التحالف مع قوة متفوقة، لذلك عندما تصبح الدول ذات السيادة “حلفاء” للقوى العظمى، فإنها تفعل ذلك لتعزيز “الأمن الإقليمي” و”الشرعية” داخل الفضاء المحلي، وبالنسبة للدول الحليفة يجب أن نقول بأن يكون لديك “صديق” قوي في البيئة القاسية للسياسة الدولية يؤتي ثماره جيداً من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، وإذا تم استخدام العلاقة لتحسين رفاهية السكان الوطنيين، فسيتم إدراك التحالف جيداً وتشجيعه نظراً لأن الرفاه الوطني يرتبط بشكلٍ أساسي بتأثير هذا الشريك الدولي المحدد.
من منظور الاختيار العقلاني من المفيد الإجابة على السؤال التالي: لماذا تدخل الدول في هذه العلاقة الثنائية الخاصة (الحليف والمستفيد)؟، مع ذلك فإن علماء العلاقات الدولية يطمحون فقط إلى تطوير “إطار مفاهيمي”، فإذا كانت النظريات عبارة عن “صور ذهنية” أو “إبداعات فنية”، تم إنشاؤها من أجل شرح الروابط المنطقية بين عناصر مهمة معزولة عن واقع معقد، فإن الأطر المفاهيمية معنية فقط بمواصفات “الخصائص التجريبية”، وأعتقد أن التركيز على الخصائص التجريبية يؤدي إلى البحث في رعاية التفسيرات، ولهذا أقترح حواراً متعدد التخصصات مع الاتجاهات النظرية الجديدة المزدهرة في هوامش العلاقات الدولية .IR
تجسير الأنماط: الرعاية ونظرية الدور ونظرية العاطفة
تشترك الأبحاث حول الرعاية في أرضية نظرية مشتركة مع البحث عن “الأدوار” و”العواطف”، وفي هذا القسم سأطرح قضية الحوار بين برامج البحث هذه.
الأدوار والرعاية
لم يتم ربط نظرية الدور والبحث على أساس الرعاية بوعي من قبل علماء العلاقات الدولية، هذا أمر مثير للدهشة حيث يمكن تصور العلاقات بين الحليف والمستفيد بسهولة على أنها هياكل لأدوار مصنوعة من الممارسات التمثيلية للذات والآخر، وبالتالي فإن المستفيد والحليف هما من الأدوار / الهويات التكميلية والتأسيسية التي يجب على الفاعلين السياسيين – في هذه الحالة الدول – استيعابها وتنفيذها من أجل أن تحصل هذه الهياكل الدولية على “هيئة” مؤسسة ما.
تم تقديم مفهوم “الدور” لأول مرة في دراسة العلاقات الدولية ضمن الحقل الفرعي لتحليل السياسة الخارجية (FPA)، في مقالته الأساسية جادل كارل هولستي (1970) بأن “مفاهيم الدور القومي” التي يتبناها صانعو القرار تؤثر بالفعل على السياسة الخارجية للدول، وكانت حجة هولستي معنية بشكلٍ أساسي بجزء “الأنا” من المعادلة، ولكن بحثه فتح باباً كبيراً لنظرية الدور في تخصص العلاقات الدولية، وفي التسعينيات من القرن الماضي أعاد علماء IR مثل Alexander Wendt (1999) الانخراط في نظرية الدور من خلال تبني “التفاعل الرمزي” و”الهيكلية”، وإن هذا المكان الفكري في تنظير، ويتجلى في “توقعات” العملية التي يتم من خلالها بناء “الدور / الهويات”، ويجادل ويندت بأن “الفوضى هي ما تصنعه الدول منها”، أي “هيكل الأدوار” من “التمثيل الجماعي” للذات والآخر، ومن وجهة نظر البنائية الاجتماعية يتم تعريف مفهوم “الدور” على أنه “هوية اجتماعية” “يتم تنفيذها” أثناء التفاعل الاجتماعي، وأنا أزعم أنه يمكن تصور العلاقات بين الحليف والمستفيد بشكل أفضل على أنها هياكل للأدوار التكميلية والتأسيسية، وبهذا المعنى سيكون من الدقة الحفاظ على تلك العلاقات بين المستفيد والحليف باعتبارها “هياكل للأدوار”، وتشكيل مصالح الدول وهوياتها وسلوكها، ومع ذلك لا يمتلك علماء العلاقات الدولية الأدوات النظرية اللازمة لمعالجة مثل هذه الظواهر.
العواطف والرعاية
“العواطف” موجودة في كل مكان في السياسة الدولية وكذلك في العلاقات بين الحليف والمستفيد، يعرّف كريستوفر كارني العلاقات بين الحليف والراعي على أنها: “أزواج غير متناظرة تتميز بعنصر قوي من العاطفة”، ويجادلVeenendaal أيضاً بأن “عنصر العاطفة أو الولاء يجب أن يكون موجوداً حتى نتمكن من التحدث عن ارتباط دولي بين الحليف والمستفيد”، في هذه الورقة نتعامل مع “العواطف كمفهوم شامل” يتضمن مفاهيم ذات صلة مثل “المشاعر” و”المودة”، نحن لا ننخرط في نقاشات حول الفروق الوجودية بينهم.
في نظرية IR السائدة تعد العواطف سمات غير مشكوك فيها للسياسة الدولية، حيث يصعب تحديدها وقياسها وعزلها عن العوامل الأخرى، وتتمثل إحدى طرق معالجة تعقيد المشاعر في اعتبارها سمات “هجينة” تتكون من ثلاثة عناصر على الأقل: “ردود الفعل الجسدية” و”المشاعر” و”العناصر المعرفية”، وإن فكرة العواطف هي “ردود فعل جسدية” و”تجارب فسيولوجية” هي مشكلة بالنسبة للمناهج المرتكزة على الحالة في العلاقات الدولية، لأن الحالة من وجهة نظر مادية ليس لديها “جسد” ولا “ضمير”، وبالتالي لا تستطيع الدول “الشعور”، لأن الأفراد فقط هم من يملكون القدرة على التعبير عن المشاعر، ومع ذلك فإن المقاربات التي تتمحور حول الدولة في العلاقات الدولية، مثل الواقعية الجديدة والنيوليبرالية والبنائية الاجتماعية، تصور الدولة على أنها “وكيل شركة” قادر على “التصرف” “بالنوايا” (تعظيم الأمن) والتعبير عن “العواطف” (الخوف)، ولكن من أجل التعبير عن المشاعر معرفياً تحتاج العواطف إلى الجسد وكذلك الوعي، لقد جادل علماء العلاقات الدولية مثل Alexander Wendt (1999) بأن الدولة لديها “هيئة”، ومع ذلك يدرك Wendt أيضاً بأن “الوعي” لم يتم تحديد موقعه بعد داخل الدولة، لذلك فإن تصور الحالة على أنها “فاعل” لا يزال يمثل إشكالية لأن الجسد بدون وعي هو جسد ميت وليس جسداً حياً، وتم حل هذا التوتر من قبل منظري المشاعر في العلاقات الدولية، ولقد وضعوا العاطفة داخل “الجهات الفاعلة في الشركات” مثل الدول، وفي “التجارب العاطفية” لـ “الأفراد الذين يؤلفونها ويتماثلون معهم ويشكلونهم”.
الحلقة المفقودة
كيف ترتبط “الرعاية” و”العواطف”؟ أنا أزعم هنا أن “الامتنان” هو الحلقة المفقودة، عرّف علماء النفس الاجتماعي الامتنان على أنه “عاطفة أخلاقية” ذات “قيمة إيجابية”، حيث إن إظهار الامتنان للفوائد المتلقاة يعني ضمناً الاعتراف بأن “شخصاً آخر قد أعطى، أو حاول تقديم، عمداً شيء ذو قيمة، وفي اللغة النفسية ترتبط مشاعر الامتنان بالاعتراف “بأن المرء قد حصل على نتيجة إيجابية” من “مصدر خارجي” باعتبارها “عاطفة إيجابية” مرتبطة بتبادل الهدايا، ويبدو أن مشاعر الامتنان للفوائد المتلقاة تشجع “المعاملة بالمثل” وكذلك روابط “الثقة” بين الفاعلين الأنانيين والعقلانيين، ومع ذلك يمكن أيضاً فهم الامتنان على أنه عاطفة مرتبطة بنوع معين من “الإكراه الأخلاقي”، وكما لاحظ كومتر “تحت مشاعر الامتنان الدافئة تكمن قوة حتمية تجبرنا على إعادة المنفعة التي حصلنا عليها”، وبعبارة أخرى ترتبط مشاعر الامتنان ارتباطاً وثيقاً بمشاعر “المديونية” أي بفكرة التعاقد على “دين الامتنان”، وعند تطبيق مفهوم “ديون الامتنان” على عالم السياسة الدولية، يفتح نافذة على ما أطلق عليه المؤرخ لويس بيريز “سياسة الامتنان”، من نقطة البداية هذه يصبح مجتمع العلاقات الدولية عالماً تتعاقد فيه الدول ذات القدرات الصغيرة بشكل متكرر على “ديون الامتنان” مع القوى العظمى من خلال تبادل “الهدايا” الدولية، ومع ذلك لم يقم باحثو العلاقات الدولية بتطوير الأدوات النظرية لمعالجة ظاهرة “سياسة الامتنان” وكيف تعمل حقاً في مجال السياسة الدولية.
خاتمة
اتبعت هذه المقالة موضوعين رئيسيين: أولاً عرضت مراجعة لكيفية تحدث علماء العلاقات الدولية عن الرعاية منذ أن تم تقديم المفهوم لأول مرة في مجال تحليل السياسة الخارجية، ولقد أظهر أن نموذج المستفيد والحليف هو نقطة انطلاق جيدة للباحثين الذين يهدفون إلى التوصل إلى تفسير لسبب دخول الدول ذات السيادة طواعية في علاقة المستفيد والحليف، والبحث القائم على الرعاية يحدد “الأساس المنطقي” وراء سلوك الدول ضمن الفوائد التي يتم الحصول عليها من خلال العلاقة، وتتوقع القوى الراعية الاستفادة في الغالب من السلع “غير الملموسة” مثل التوافق الأيديولوجي والتضامن الدولي، بينما تنتهج في الوقت نفسه سياسة خارجية قائمة على اكتساب مزايا جيواستراتيجية على المنافسين والأعداء، تستفيد الدول الحليفة أيضاً من العلاقة مع قوة عظمى من خلال استخدام “سيادتها كأداة للمساومة” إنهم يتوقعون استخراج موارد العلاقة الحاسمة لقضاياهم الإقليمية وسياساتهم الداخلية من العلاقات، ومن وجهة نظر الدول ذات القدرات الصغيرة فإن مجرد وجود “صديق” قوي في البيئة الفوضوية للعلاقات الدولية يعد منفعة ذات قيمة كبيرة.
في الجزء الثاني ناقشت أنه من أجل فهم أفضل لكيفية عمل الرعاية حقاً على مستوى السياسة الدولية، فإن البحث الفعلي سيستفيد بشكل كبير من الحوار مع اتجاهين نظريين يتطوران على هوامش نظرية العلاقات الدولية: نظرية الدور ونظرية العاطفة، وبالنظر إلى الأسس النظرية المشتركة بينهما، جادلت في أنه يمكن تصور العلاقات بين الحليف والمستفيد بشكل أفضل من خلال اللجوء إلى مفاهيم مثل “سياسة الامتنان” و”ديون الامتنان”، من خلال القيام بذلك أدعو علماء العلاقات الدولية إلى الانخراط نظرياً مع “هياكل الأدوار” هذه المصنوعة من “الامتنان” كقوة سياسية من أجل الكشف عن كيفية تشكيل هذه الهياكل الدولية لهويات الدول ومصالحها وسلوكها، وحتى الآن فشل البحث عن “الرعاية” في القيام بذلك، وقد يعني هذا الفشل شيئين أولاً: العلاقات بين الحليف والمستفيد ليس لها تأثيرات هيكلية على الإطلاق، وثانياً: الجهود النظرية الفعلية كانت غير كافية، ورهاني يذهب إلى الحصان الثاني.
[1] الأنطولوجيات*: دراسة علم الوجود وعلم تجريد الوجود، هو أحد الأفرع الأكثر أصالة وأهمية في الميتافيزيقيا (علم ما وراء الطبيعة)، ويدرس هذا العلم في كشف طبيعة الوجود غير المادي في القضايا الميتافيزيقية المترتبة على التصورات أو المفاهيم والقوانين العلمية، مثل المادة والطاقة والزمان والمكان والكم والكيف والعلة والقانون والوجود الذهني وغيرها، أي كينونة الأشياء المادية. (المترجم).