أحمد عرنوس
استمد التفكير المبكر عن العواطف في السياسة والعلاقات الدولية من الانقسام التاريخي الذي وضع العواطف في مواجهة العقل والعقلانية، وفي هذا الرأي التقليدي تم اعتبار العواطف بأنها “متقلبة” و”قوى جامحة” أعاقت التفكير الفعال والحكم والمنطق، وفي أحسن الأحوال كان يُنظر إلى العواطف على أنها غير ذات صلة بالسياسة، ولكن على مدى العقدين الماضيين، تغير معنى العواطف تماماً من خلال أربعة مؤشرات مهمة[1]:
- يُنظر حالياً إلى العواطف على أنها جزء أساسي لا مفر منه من حياة الإنسان، ومن امتداد كل الحياة الاجتماعية والسياسية، ولا يمكن إزالة العواطف من السياسة، لأن العواطف تكمن في صميم الوجود البشري.
- إن الرؤية الكلاسيكية لعقلانية خالية من العواطف، قد ثبُت بأنها مجرد وهم ولا يمكن أن يكون هناك شيء اسمه عقلانية خالية من العواطف، وتحتوي العقلانية بالضرورة على العاطفة، تماماً كما يفعل التفكير في الشعور.
- إن العواطف مرتبطة ارتباطاً جوهرياً بالخطابات والفئات الاجتماعية التي تدعم المجتمعات وسياستها، وهي متأصلة فيها، وبدلاً من تصور العواطف كقوى بيولوجية فطرية تظهر مسبقاً في الأفراد، تُظهر الأبحاث بأن العواطف تتكون اجتماعياً وثقافياً.
- من المعلوم بأن العواطف وليس العقل أو العقلانية هي التي تحرك سلوك الناخبين خلال عملية الانتخابات (برلمانية أو رئاسية)، وحتى السياسات الخارجية للدول، وبالتالي لا يمكن فصل القرارات وأنماط العمل تماماً عن العواطف الإنسانية[2].
من جانب آخر إن السبب الرئيس لتزايد أهمية العواطف في العلاقات الدولية هو العولمة، والتي تسبب عدم الأمان وتثير مسألة الهوية، ففي فترة الحرب الباردة لم يكن هناك أي سبب للتساؤل “من نحن؟”، حيث كانت الإجابة واضحة في كل خريطة تُصور نظامين متخاصمين يقسمان الكرة الأرضية بينهما، ولكن في عالم دائم التغير فإن السؤال يتجلى في الهوية والتي تكون مرتبطة بالثقة، وبالتالي يتم التعبير عن الثقة، أو الافتقار إليها، في العواطف الثلاثة التالية والتي تسمى “جيوبولوتيك العواطف” وهي: الخوف (فقدان الثقة)، والأمل (تعبير عن الثقة)، والإذلال (تقويض الثقة)، وكانت “العواطف” التي تهم الفيلسوف الهولندي “سبينوزا” في القرن السابع عشر، تتجلى بــ الأمل والخوف، لأنهما يتعلقان بعدم اليقين بشأن ما سيحمله المستقبل، ومع ذلك كلاهما ضروري في الحياة، فعنصر الخوف ضروري للبقاء، والأمل يُشعّل ويُغذّي محرك الحياة، وحتى الإذلال بجرعات صغيرة جداً يمكن أن يحفز المرء على القيام بعملٍ أفضل، وخاصةً إذا جاء من صديق يعمل بشكلٍ أفضل، أو من دولة تعمل في السياسة أو الاقتصاد على نحوٍ أفضل، ولكن الإذلال المتعمد بدون أمل هو مدمر، فالكثير من الخوف والإذلال الشديد كل ذلك مع عدم وجود أمل كافٍ في المجتمع يشكل مجموعات اجتماعية خطيرة والتي من الممكن أن تؤدي إلى أكبر قدرٍ من عدم الاستقرار والتوتر.
من الناحية الاقتصادية يمكن تعريف العولمة ببساطة على أنها تكامل الأنشطة الاقتصادية عبر الحدود من خلال الأسواق (التجارة الحرة)، ولكن هذا التدفق الحر للبضائع من الناحية الاقتصادية يعني أيضاً من الناحية السياسية التدفق الحر للعواطف، بما في ذلك كلٍ من العواطف الإيجابية (الطموح والفضول والرغبة في التعبير عن الذات)، والعواطف السلبية بما في ذلك العواطف الغاضبة التي تؤدي إلى الكراهية بين الأمم والأديان والجماعات العرقية[3].
عند التفكير في كيفية دراسة العواطف في العلاقات الدولية، هناك ثلاثة مناهج قد يتخذها الباحث، فالأول هو التفكير في الدولة على أنها “شخص” يتصرف بشكل أحادي، لا يأخذ هذا النهج في الاعتبار السياسات المختلفة والقوى الأخرى التي تُشكل التفاعلات بين صانعي القرار والجمهور، والنهج الثاني هو دراسة القادة الفرديين لدولة أو جماعة باعتبارها الطريقة السائدة في تحليل السياسة الخارجية، وأما الطريقة الثالثة للتعامل مع العواطف في العلاقات الدولية هي التفكير في الدول أو الجماعات الأخرى كمجموعات، حيث يوجد تفاعل ديناميكي بين جميع أعضاء المجموعة[4].
خاتمة:
تم تحديد العالم من خلال نماذج سياسية متضاربة، بحسب الأيديولوجية المنتشرة في القرن العشرين: الاشتراكية والقومية والرأسمالية، وأما في عالم اليوم تم استبدال الأيديولوجية بالصراع من أجل الهوية، ففي عصر العولمة عندما يكون كل شيء وكل فرد مرتبطاً شخصياً بالعالم بفضل ثورة المعلومات، يكون من المهم التأكيد على الفردية الوجودية (تقدير وتحقيق الذات): “أنا فريد أنا مختلف، وإذا لزم الأمر فأنا على استعداد للقتال حتى تُدرك وجودي”، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الدول، ووفقاً لتصريحات الفيلسوف والعالم السياسي الروسي إدوارد باتالوف “لا يشعر المجتمع الدولي بالحاجة إلى النظام الدولي فحسب، بل أيضاً إلى شخص استباقي ومستقل ومبدع، يمتلك المعلومات والمهارات السياسية والإدارية، ويتمتع بالخيال الاجتماعي، ولديه إرادة، وليس الخضوع للإغراءات الطوعية، مع توجهات إنسانية”، ولهذا السبب إذا كان القرن العشرين هو “القرن الأمريكي” و”قرن الأيديولوجيا”، فإن الأزمات والصراعات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين هي التي تجعل علماء العلاقات الدولية يُطلقوا عليه تسمية “قرن الهوية”، والتي تعني التحولات الموازية من الأيديولوجيا إلى الهوية ومن الغرب إلى الشرق، ولذلك إن العواطف قد أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى في الطريقة التي نرى بها العلاقات الدولية.
المراجع:
[1] Emma Hutchison, Why Study Emotions in International Relations?, On the site of E-International Relations, of the link retrieved in a date 15/12/2020:
https://www.e-ir.info/2018/03/08/why-study-emotions-in-international-relations/
[2] Muqtedar Khan and Isa Haskologlu, Fear as Driver of International Relations, On the site of E-International Relations, of the link retrieved in a date 16/12/2020:
https://www.e-ir.info/2020/09/02/fear-as-driver-of-international-relations/
[3] DOMINIQUE MOISI, The Geopolitics of Emotion: How can culture of fear, humiliation, and hope reshaping the world, On the site of Penguin Random House, of the link retrieved in a date 16/12/2020:
https://www.penguinrandomhouse.com/books/115907/the-geopolitics-of-emotion-by-dominique-moisi/
[4] BRENT SASLEY, Emotions in International Relations, JUN 12 2013, p1-2