الكاتب: أندري كورتونوف.
المصدر: المجلس الروسي للشؤون الدولية.
تاريخ النشر: 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
لطالما ميز الخطاب السياسي الأمريكي الخارجي كل من روسيا والصين باعتبارهما التهديدات الجيوسياسية الرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية في كثير من الأحيان، ولا يوجد تمييز بين هذه الدول بالنسبة لخطاب واشنطن، حيث يتم سردهما معاً، ومن ثم يليهما كل من “إيران وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا”، وغيرهم من مصادر القلق لواشنطن.
إن نموذج “الردع المزدوج” الاستراتيجي الأمريكي هو نفسه بشكل عام لموسكو وبكين، ومع ذلك، يحاول السياسيون والخبراء المتمرسون رسم صورة أكثر تعقيداً تركز على أوجه التشابه والاختلاف بين خصمي أمريكا الاستراتيجيين.
قبل فترة وجيزة، قال المرشح الرئاسي جو بايدن أن روسيا تمثل حالياً التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، بينما الصين هي المنافس الرئيسي لأمريكا، هناك تمييز دقيق هنا، إذن ما هو الفرق بالضبط بين المنافس والعدو؟ يلعب المنافس عموماً القواعد، ولكنه أيضاً على استعداد لكسر هذه القواعد إذا ظهرت المناسبة، أما العدو، من ناحية أخرى، لا يعرف أي قواعد، يحاول أحد المنافسين إخراجك من السوق أو الاستيلاء على مكانتك الجيوسياسية، بينما العدو يحاول تدمير مؤسساتك وقيمك، وبالتالي يمكنك محاولة تحقيق اتفاق ودي مع المنافس من خلال التنازلات المتبادلة، ومن هنا يجب محاربة هذا الأخير حتى النهاية المريرة (على حد تعبير مكسيم غوركي، “إذا لم يستسلم العدو، يجب إبادته”)، أي أن كونك منافساً يتفوق على كونك عدواً.
لم يكن جو بايدن أصلياً في محاولته تصنيف خصمي الولايات المتحدة الأمريكية في فئتين مختلفتين، حيث حاولت الولايات المتحدة وضع موسكو وبكين ضد بعضهما البعض منذ منتصف القرن العشرين، كان أداء هنري كيسنجر العبقري أفضل ما في الأمر عندما قام، – من أجل مواجهة الاتحاد السوفيتي -، بتطبيع واسع للعلاقات مع الصين الشيوعية بتكلفة سياسية كبيرة، حيث كانت تكتيكات كيسنجر منطقية تماماً: الدخول في شراكة مع الخصم الأضعف من أجل عزل الخصم الأقوى.
قبل خمسين عاماً، أثبتت هذه التكتيكات عموماً نجاحها، أو على الأقل بدت كذلك، لم يستطع كيسنجر أن يتوقع أن تستخدم بكين، من بين أمور أخرى، دعم أمريكا لتحويل نفسها بعد حوالي خمسين عاماً إلى المنافس الرئيسي لواشنطن.
تماماً مثلما رأى دونالد ترامب مراراً وتكراراً خلال السنوات الأربع من رئاسته أنه “كان من المستحيل إخراج روسيا من الصين”، سيرى جو بايدن مراراً وتكراراً أنه لا يمكن “تمزيق” الصين من روسيا، تحتاج موسكو إلى بكين بغض النظر عن الحالة والآفاق الحالية للعلاقات الصينية الأمريكية، سوف تسعد القيادة الصينية بالعمل كحكم أو “توازن” بين موسكو وواشنطن، حيث أن بكين درست بعناية إرث كيسنجر، ومع ذلك، بما أن بكين تتبع مبادئ كيسنجر، فإنها لن تدعم الولايات المتحدة بنشاط في رغبتها في محاصرة روسيا.
ربما يبدو الأمر متناقضاً، فإن الدور الأكثر تواضعاً لموسكو في الاقتصاد العالمي والتقنيات والتمويل مقارنة بالصين، يعني أنها أكثر قدرة على تحمل الضغط الأمريكي، لقد استنفدت إدارة ترامب فعلياً مواردها المحتملة للضغط على روسيا دون التسبب في مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأمريكي أو العالمي أو على الاستقرار العالمي والإقليمي، بغض النظر عن الطريقة التي يُنظر بها إلى روسيا، فإن روسيا ليست كوريا الشمالية أو فنزويلا أو حتى إيران، إن رفع العقوبات المناهضة لروسيا إلى مستوى أعلى جديد جذرياً يعني إطلاق تطورات ذات عواقب لا يمكن التنبؤ بها ولكنها خطيرة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة والعالم بأسره، بقدر ما يمكننا أن نرى، فإن هذه المغامرة ليست نموذجية لرجل متمرس وحذر مثل جو بايدن، بالإضافة إلى ذلك، العلاقات مع روسيا ليست المشكلة الرئيسية التي ستواجهها إدارته.
وبالتالي، لا ينبغي أن يؤخذ خطاب بايدن القاسي المناهض لروسيا على نحو حرفي، من غير المحتمل أن نرى “مناهضاً لكيسنجر” ثابتاً وهادفاً سواء في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية، في المستقبل القريب من غير المرجح أن تتحسن العلاقات الروسية الأمريكية بشكل جذري أو تتدهور بشكل جذري، تبدو احتمالات تدهورها محدودة، بينما تظل احتمالات حدوث أي تحسن ملحوظ غامضة.